رسائل ممزقة🖤بقلم🖤محمد باقر


 رسائل مُمزقة

مُحَمَّد البَاقِر


الرسالة العشرون


‏كُلَّ صباحٍ هو ساعة إعدامٍ بالنسبة لي، أمقتُ هذا الضوء الساطع الذي يُغافل تِلكَ الثغوب الصغيرة التي تملأ النافذة ليدخل فَيُعكر مزاجي، لا أملك الطاقة على النهوض مِن الفراش لأُواجه هذا العالم العَفِن، بِكُلِّ هذا الثقل الذي يسكن بداخلي، أهُنالِك مكانٌ هادىءٌ يستقبل الذين أصابهم الملل مِن كُلِّ شيء، أهُنالِك زاوية لا يصلها الضوء أطلاقا لأجلس بجانبها أنا وَالكثيرِ مِن الصور التي أحتفظ بِها لكِ بين خلاياي، أريد الذهاب إليه فورا لكنني لا أملك القدرة على الذهاب بأتجاه حتى وإن وِجد.

بيد إني -على الرُغم مِن ذلك- أملك القدرة الكافية على كتابة رسالة آخرى إليكِ؛ فقد حدثت أمور كثيرة غير الأمور السابقة التي تحدُث كُلَّ يوم، الجدار الذي لرسمة عليهِ سفينة أحلامي نحو جزيرة قلبُكِ، خارت قواه وسقط فوق جسدي، جارنا جلال ما زال يرمي الطلاق كل يوم على زوجتة، وقد تطورت المشاكل بينها حتى وصلت إلى الضرب المُبرح والكثير مِن الشتائم-التي لا استطيع ان أخبركِ بها-، العم أحمد-بائع الحلوى- لم يأتي مُنذُ ثلاثة أيام، صديقي -خالد- مر مِن أمامي دُون أن يلتفت إلي، مازالت الكهرباء مُنقطعة على الحي بأكمله مُنذُ أسبوع كامل، رائحة البهارات اللذيذة سيدة الموقف في شوارع مومباي ، جثة الكَلب الأسود صاحب الفور الحريري تعفنت على الطريق العام دُون أن يهتم أحدٍ بِذلِك، -أُم وليد- صديقة أُمي تُوفيَّ زوجها ليلة أمس وقد كان الجميع حزين على موته فقد كان أخرسًا ولم يسمع أي أنسان كلمةٍ سيئة، والعديدُ، العديد مِن الأحداث التي لا أهميةُ لها، لكن بمجرد أنكِ سمعتي عنها الآن فقد باتت هذه الأحداث الأكثر أهميةٍ لدي.


دعيني أخبركِ بشيء بعيدًا عَن كُلَّ هذهِ التُرهات والكلمات العبثية؛ أتعلمين كم هو مُمتع ومُبهج شعور أن تجد نفسكَ مُكتفٍ بشخصٍ بعيد عنك، ولا تنظُر لِمن هُم حولك مهما كان المكان مُزدحما، شخصٌ واحد أنت لم تعُد تتحدث إليهِ، لم يعُد بجانبك، حتى النظرات التي كانت بينكم تلاشت مُنذُ وقتٍ ليس بقليل، وَمِن المُمكن ألاَ تكون هُنالك صدفة أخرى أو مكانٍ لتجتمعوا فيهِ معًا، إلا أنكِ لا ترغب بغيرة وأن بقيت هكذا على قيد الذكريات الموقدة بداخلك، -وَعلى الرُغم مِن هذا الفرح العارم- الذي يتملكني لأنني لا أرغب بأحدٍ غيركِ، بيد إني؛ تعبت مِن ذلك الكم الهائل للشوق الذي يصرخ بين أحشائي، أجل سأكتفي بكِ رُغم كُلَّ شيء، لكن بما سأضحك على قلبي ليقبل بأن يُكمل باقي نبضاته على قيد الذكريات، أتدرين كم أتمنى فِي هذهِ اللحظات الصعبة، لو أن هُنالكِ وأحد مِن أشباهي الأربعين، يبدأ دائمًا مِن المكان الذي أفقد بهِ طاقتي بالكامل، أنا آخر يكمل بدالًا عني مِن حيث أتوقف في محطات ذكرياتكِ المُقفلة، يَبكي بالنيابة عني حينما أشتاقكِ ولا أجد ما يكفي مِن الدموع لأذرفها لأجلك، يحتضنني وقت الحُزن، يأخذ القليل مما يقطن بداخلي علَّني أنام بأمان ولو لمرةٍ واحد، ثُم يُعيرني قلبه وعقله لأحبك مِن جديد بحجمٍ مُضاعف مِن الدهشة.

إرسال تعليق

0 تعليقات