المبتسم 💜 بقلم 💜 عامر عمران


 ((المبتسم))

مكبلاً بالأصفاد وقف (يوسف)

أمام الرائد(حامد حمدان) الذي

أطلق زفرة غاضبة من ضغط العمل الملقى على عاتقه، يرى بطرف خفي (يوسف) الماثل أمامه..

لايبدو مؤذيا -هكذا قال لنفسه-

ولكن فيه شيء ما غير مريح خاصة

إبتسامته ..

عزم(حامد) على إنهاء التحقيق..

وعرض المتهم على المحكمه لتبت في أمره فقال:

-(يوسف) إن وضعك خطر جداً

فقد إتهمك والدك بأنك تهجمت عليه وشهد أهلك عليك بذلك واتهموك أيضاً بالجنون ،لا أدري لماذا أنت مبتسم هكذا.

لم يغير(يوسف) من وقفته أو إبتسامته..

نظر(حامد) إليه نظرة عدم فهم وهز رأسه وقال:

-توقف عن الإبتسام وإلا ستتذوق

السفر إلى الهند عبر بساط الريح خاصتنا وعندها ستضحك كثيراً.

كان(يوسف)يعلم بساط الريح جيداً

فسمعة هذه الآلة قوية حقاً..!!

تذكر أغنية بساط الريح ل(فريد الأطرش) حسبما يتذكر ويدندن

((بساط الريح لذيذ ومريح))

غناها في عقله مع أنه نسي أغلبها

فإزداد تبسماً حتى أوشك على الضحك..

صعد دم الرائد إلى رأس (حامد) عندما شاهد تلك الزيادة في التبسم وأوشك على أن يغيب عن الوعي من الغيظ وصاح:

-أيها الأحمق مايضحكك يا....يا....

إزدادت الشتائم عمقا لولا أنها آخر ورديته وأن المساعد(هيثم) مستعجل لإنهاء دوامه لوضع (يوسف) على البساط فعلا..

إلا أنه أقسم على وضعه في رحلة سماوية غداً وسيتعلم كيف يبتسم هذا الأخرق ..

هنا تذكر شيئا فسأل(يوسف):

-لقد شهد أهلك جميعاً أنك مريض عقلياً لأنك دائم الإبتسام وتتخيل أموراً كثيرة ..

على فكرة أنا أعرفك جيداً أراك كثيراً

في الحارة،وأعلم أنك قد خسرت محلك نتيجة إنفجار وخسرت مالك..

وبضاعتك.

ذكر(حامد)ذلك وأراد الإمعان في إذلاله لعله يزيل إبتسامته فأردف:

-وأعلم أنك تسولت بعد هذا كما أنك طُردت من برنامج التأمين الإجتماعي وأن والدك قد حرمك من الميراث ..

ولازلت تبتسم..لماذا حصل كل هذا برأيك؟!

-لأني مبتسم فقط.

-أنا أيضاً أبتسم كثيراً بل وأضحك ولكن لا يحاربني أحد.

رد (يوسف) بهدوء:

-أنت تسخر ولا تبتسم.. تضحك ساخراً لا تضحك بسبب الإحساس بالسعادة.

رفع(حامد) حاجبيه مستغرباً وقال:

-أين السعادة..؟!

من يتذوق السعادة في أيامنا السوداء

هذه ..؟! في كل هذا الظلم، في كل هذا البؤس.

أجاب (يوسف):

-المؤمن الذي يعلم أن أمره كله خير

وأن الأمل لا يموت لأن رب الخير

سيأتي بالخير حتما..سيظل سعيداً

مهما حدث..أما من أقنعه الشيطان بأن الحياة عبث وبؤس ويأَس من الرحمه فلم يعد يرى أي جمال.

ضحك(حامد) مستمتعاً وأحس فعلاً

أن سبب ضحكه هو سخريته من غباء

(يوسف) وقال من بين الضحكات:

-يالك من غبي كل هذا الظلم في

هذه الحياة وتتحدث عن الجمال والسعاده.

هنا اضطرب(حامد) فقد تذكر إبنه المتوفي فتهدج صوته قليلاً وقال:

-وإبني الذي قُتل أين الجمال في هذا..!! أَتَذَكْر ضحكته الصافيه وقدمه الصغيره وكيف كنت ألاعبه ..

وقتلوه ..قتلوه لأني رفضت أن أشهد زور، كيف تبتسم بعد ذلك..؟!

أصبحت نظرات(حامد) نارية..لكن

(يوسف)حافظ على إبتسامته وقال:

-كلنا لدينا أوجاع وقصص مثلك ..

لكن لايجب أن نفقد إيماننا ..لهذا يحاربون المبتسم لهذا يحاربون الجمال والسعادة ..لايريدون أن يعودوا إلى البراءه ويتخلصوا من توحشهم ويأسهم لا ير....

قاطعه(حامد):

-إخرس أنا الأحمق لأنني إستمعت إليك.

هم(حامد)بمناداة الشرطي لولا أن

(يوسف) قال:

-حتى لو قلت لك(إيفو).

جَمَدَ(حامد) لثانية..ثم إستوعب

ثم إستشاط غضباً،وقفز بحركة مفاجأه نحو(يوسف) وإنهال عليه

ركلاً وضرباً فقد كان (إيفو) هو اللقب

الذي يطلقه(حامد) على إبنه فقال

من بين أسنانه:

-كيف تجرؤ على إبتزازي والتلاعب بمشاعري هكذا..كيف تجرؤ على إقحام إبني في أمر كهذا ..أنت كالمجرمين الذين فعلوا ذلك.

إزدادت الركلات واللكمات شراسة،

وتجمعت الشرطة وفرقتهما بصعوبة

وقف(حامد)يلهث ووقف(يوسف)

يتأوه وقدتخضب بالدماء

لكنه لايزال مبتسماً وقال:

-لقد رأيت إبنك في المنام البارحة وقال لي علامة لا يعرفها أحد..جملة

هو قالها لك.

إزداد(حامد) غضباً وأزمع أمراً،فأمر العناصر بالخروج على الرغم من فضولهم وإحتجاجهم ..

وجذب (يوسف) من ياقته وقال بشراسه:

-سأقتلك في الزنزانه الليلة.

قاطعه(يوسف) بهدوء وثبات :

- لاتحزن يا أبي إني أراهم يضحكون لي .

فجأه تراخت قبضتا(حامد) وقطب

جبينه..فهذه الجملة قالها إبنه له قبل أن يفارق الحياة بلحظات ولم يخبر

(حامد)بها أحداً..

جلس(حامد) وهمهم وهو لايزال يلهث:

-كيف..كيف تجرؤ..؟!

أحس أن روحه تفارقه حزناً..وفجأه

كما يلمع البرق وكما يضيء الشهاب

تذكر أنه رأى إبنه في المنام البارحة

أيضاً قائلاً له بضحكته البريئه:

-سأرسل لك رسالة.

إستغل (يوسف) صمت(حامد) وقال:

-لقد رأيته يغسلك ويخبرني بتلك العلامات وأوصاني أن أخبرك أن حزنك عليه يغسل ذنوبك ويخفف عنك وأنكما ستلتقيان حتما فإبق

نظيفاً.

لم يستطع أن يقاوم(حامد) أكثر...

بكى...وبكى....وبكى....

بكى على كل توحش أو قسوة إجتاحة قلبه ،دموعه غسلت كل سواد غطى قلبه،دموعه حطمت الصنم

صنم القسوة واليأس..

أما (يوسف) الذي تورم خده ونَزَفَ

أنفه وشفتيه لم يتوقف عن الإبتسام

وتابع:

- اليأس من رحمة الله وعدم رؤية حكمته والجانب المشرق هو ما يفقدك الإبتسام .

مسح (حامد) دموعه ونادى الشرطي

الواقف على الباب وقال بصرامة:

-فك أصفاده وأخلي سبيله وأغلق المحضر.

-لكنه فتح ياسيدي وله رقم.

بمزيد من الصرامة رد(حامد):

-لا تتذاكى علي أغلقه كما أغلقنا الكثير من المحاضر ..أما أنت

يا(يوسف) إرحل فلا أريد رؤيتك ثانية..

ورحل فعلاً ولكنه لا يزال مبتسماً

[تمت بحمدالله]


إرسال تعليق

0 تعليقات