هل حقا كنت ضحيتك 🖤 بقلم 🖤نهى مختار سليم
.
كنت الشيطان وإن لم يظهر شيئًا من قبحه على ملامحك، أعرف أنك لا تعرف الشيطان وتصورك عنه محدود هذا إن كان لديك الوقت لتصوره أصلًا أما أنا فما أكثر الليالي التى غفوت فيها ورأيته بنظرات خبيثة ومخيفة ينظر لي ويبتسم لم يكن سوى مكر شديد يجعلك تشيح بوجهك بعيدًا عنه وبغتة أفتح عيني في ذعر وأول نظرة تجول في خاطري، تشبه نظرته تمامًا وبنفس الطريقة نظرتك أنت، بدءًا من تلك اللحظة وأنا أعرف أن الشيطان أنت، بدءًا من تلك اللحظة وكما قررت الابتعاد عنك قررت أيضًا الكتابة لعلك هنا، لعلك تقرأ، لعلك تأتي يومًا ما لتطلب مني ما لن تجد عليه ردًا وهذي ربما تكون أول الغواية، ربما تكون أول الحكاية، هل حقًا ابتعدت عنك؟!
هل حقًا ابتعدت عنك؟!
..
الكذبة الطويلة السخيفة التى حاولت تصديقها مرارًا وتكرارًا ولم أفلح.
ربما لو لم أبكِ يومًا بسببك لكان يمكنني الابتعاد حقًا، الفكرة لم تكن في البكاء لأنك لم تجعلني أبكِ فقط بل وبخسة واضحة جعلتني أشفق أكثر على نفسي.
حتى رأيتها لم أكن قريبة منها، لا أعرفها ولا تعرفني غير أن كل واحدة منا كانت تحمل نفس الهشاشة والضعف.
تسألك "لمَ" لم تكن مجرد كلمة نطقت بها كما لو أن خيبات العالم كله هى التى كانت تتكلم لكنك وبكل برود وسخرية أجبتها "لم أقصد" ثم تجلت نظرتك الخبيثة إياها.
وهذا هو ما تفعله عادة مع كل ضحية جديدة، تمتص دمها تمامًا، ثقتها بأنوثتها، توهمها حتى أن عفتها لا تعني شيئًا ومن لم يفض كبته لم يأتِ للدنيا بعد، ثم رأيتك في المنام تلك الليلة، لأراك كل ليلة لأعرف ما لن أعرفه إلا بالنوم، ثم سألت نفسي هل حقًا كنت ضحيتك؟!
هل حقًا كنت ضحيتك؟!
..
كنت ضحية أبي قبل أن أكون ضحية آخر، ضحية الخوف الذى لم تتشكل ملامح شخصيتي إلا به، ضحية المجتمع الذى لم يسمح لي ولو بنصف فرصة لأن أكون أنا.
لم أتعثر في حياتي كما تعثرت وأنا أحاول فقط فهم أبي، رغم موقعه المرموق في مجال عمله، إلا أنني لم أجده إلا جبانًا، وكنت أتعجب وأسأل نفسي دائمًا كيف لقوة كهذي أن تكون بكل هذا الضعف والجبن؟!
وككل ما يحدث في حياتنا ونكونه رغمًا عنا وجدتني في النهاية هو في كل شيء ثم وبمرور الأيام اكتشفت أنه كان يفهم الدنيا أكثر مما كنت أتصور، كان يفهم جيدًا معنى "إن كان لك عند الكلب حاجة قل له يا سيدي" وأننا جميعنا كلاب بشكل ما أو بآخر تدعي انسانيتها طوال الوقت.
وكنت ضحية أمي أيضًا المرأة التى لا تختلف كثيرًا عن أبي، كانت هى أول من أرعبني من الرجال والحب "لا يصح" الجملة التى كانت تغذيني عليها مذ الصغر وكبرت وأنا أعتبر الحب خطيئة لا تصح لنا.
لم أسمح لنفسي يومًا أن تحب أو تُحب، كلمة أنتِ جميلة أو أية محاولة للتغزل بي كانت جريمة لا تغتفر وجلد لذاتي لا نهاية له.
لم أشعر حتى بمراهقتي وشبابي، لم أغرم بمدرسي في الفصل، لم أعلق صورة أي فنان على حائط غرفتي، لم أتعمد الوقوف خلسة وبملابس شفافة في شرفتي في محاولة للفت انتباه ابن الجيران الثلاثيني الحلو.
لم أسمع في حياتي كلمة عذبة ترتجف لها كل أوصالي ولا لمسة تشقيني فيما بعد، لم أنطق بكلمة بذيئة واحدة، فقط لأنني بنت ولا يحق لي الصراخ أو التأفف والغضب.
لم أواعد أي شاب سرًا، لم أكن أخرج من بيتي أصلًا إلا للدراسة والعمل، ارتديت الحجاب فقط لأنه لا يصح العيش دونه حتى في بيتي ووسط إخوتي.
"القناعات الشخصية" لم يكن لها وجود في حياتي، كنت محاكاة لأهلي ونسخة أخرى من الآخرين، نسخة رقيقة، جميلة وطيبة ولكن مشوهة وخائفة من كل شيء.
تخيل أنني لم أعش كل ما مضى إلا خشية كلام الناس فقط ورغم ذلك لم يمنعني أي ترهيب من الرقص عارية في غرفتي وأنا أتخيل أن رجال العالم كلهم يتعبدون بنظراتهم في جسدي ولم يكن يحلو لي الرقص غير هكذا.
تقريبًا لم أكن امرأة يومًا إلا في خيالي وظننت أنني سأبقى هكذا حتى رأيتك.
تقريبًا لم أكن امرأة يومًا إلا في خيالي وظننت أنني سأبقى هكذا حتى رأيتك.
..
كنت رجلًا عاديًا وأقل من العادي بكثير لكنك كنت تعرف كيف تكون غير ذلك متى أردت وكانت هذي هى هوايتك المفضلة تقريبًا.
لم أكن أتعمد أن أكون جميلة لأنني بالفعل كنت كذلك ولا حتى أن أظهر بالمظهر الذى قد يرضي رجلًا صعيديًا مثلك ولا حتى كنت أفتش عن عاداتكم لأكونها لتراني بوضوح أكثر، كنت بعيدة جدًا، أعرف جيدًا من أنا وما قدري، أعيش حياتي فقط وقلبي لا يحمل ذرة حقد للآخرين، الرقة التى أثارت فضولك نحوي تارة ثم الثقة.
كنت تكره أن يكون هنالك من يعرف أكثر منك أو يصحح لك معلومة، ترفض اكمال أي حديث إن شعرت أن الذى يحدثك قد يغلبك وأنه يفهم عنك، ثم تجعل من حديثه مادة للسخرية بين رفاقك، وإما أن يتبعك الكل أو أن الكل تراب تدهسه.
تتحدث عن نفسك بغرور، لا يهمك أمر الآخرين، أحلامهم وآمالهم بل على العكس كنت تسخر من أحلامهم وكما لو أنك تتعمد رش الملح على جراحهم فقط لتضحك ولتشعر بك.
أما أنا تعبت كثيرًا في تعاملي مع الناس، ظننت أنني شخصية حساسة بشكل مفرط والحقيقة أنني كنت أتعامل بلطف فقط ليس إلا.
اللطف، الكلمة التى لم تعد تنبت في عقول البعض إلا كوهم جميل.
ثم وبمرور الأيام بدأت تقتحم حياتي شيئًا فشيئًا وأنت تعرف جيدًا ماذا تفعل وتقول.
"كاتب صحفي" أنا أول الذين لا يستطيعون انكار أنك كنت لا تكتب بل تنسكب، كتابة عذبة واسترسال عجيب لكن كل مواضيعك لم تكن سوى عن جسد البنت التى اسمها زينب، بديع صنع اللّٰه لزينب أو فاطمة أو أية حالة ملهمة تثيرك لتكتبها، كلام حلو لكن لن تخرج منه بأكثر من مجرد وصف لملامح امرأة ولهذا كنت أحب حواراتك الصحفية أكثر، كنت أستفيد منها نوعًا ما.
كنت تعرف كيف يتم تهميش الآخر والتقليل منه لتشغله بك أكثر، أسلوبك الوحيد الذى تتبعه مع الكل.
وكنت رقيقة بما يكفي وطيبة لتستغلني وتُشبع بفطرتي التى لم تفسد بعد، نقصك.
في البداية استدراج بكلمة لطيفة، إيهام كل من يحدثك بأنه قريب منك وأنه لا داعي للتكلف أو التعامل معك برسمية.
لا تظهر بحقيقتك أبدًا دفعة واحدة وما أن تشعر بأن الذى أمامك عرفك تمامًا تخبره بما ليس فيه بل بك أنت، المصيبة أنك تصدق ذلك وتدفع الآخرين ليصدقوا أنك كنت ضحيتهم والحقيقة هى العكس، تخطئ أنت لكن أحدًا لا يعتذر سوى الآخرين، لكن أحدًا لا يمكن أبدًا أن يمسك عليك غلطة لكن يقينه أنك آلمته جدًا.
ورغم طيبتي لكني أبدًا لم أكن ساذجة، كنت أفهم كل ما تفعله وتنوي عليه بل وأراه في المنام أيضًا ولكن شيء ما داخلي لم يكن يريد إلا تصديق العكس.
رأيتك مرة تدفنني وكنت في كامل سعادتك وأنت تفعل ذلك، لكني لا أعرف لمَ كنت أميل لك، ألأنني أحببتك أم أن طريقتك نجحت، تستميل اهتمامي نحوك بل وشحذه أحيانًا وتجعلني ألا أخضع بعاطفتي إلا لك؟!
مزاحك الذى لم يكن مزاح أبدًا، صدقت أيضًا أنك لا تقصد به شيء.
تفعل وتقول كل ما لا يُفهم منه إلا أنك تحبني، كلمات مايعة أحيانًا وكنت أتعجب وأسأل نفسي أحقًا هو رجل صعيدي؟! أم أن القاهرة أفسدته والنساء اللاتي هرب من نجعهم ليتشبع بحسنهن وأفخاذهن الطرية؟!
ومرت الأيام وأنت أنت وأنا أنا حتى بدأت أرتبك وأغرق في التفكير في كل كلمة تنطق بها وتقريبًا كنت تُسمعني بعض الكلمات فقط لأنك تعرف أنها لن تمر مرور الكرام بالنسبة لي، مرة تخبرني أنني سيئة، هكذا وحدك دون أن أفعل لك شيء، تسألني كنت غاضب منكِ ذكريني لمَ.
تعبت، تبقى مجرد كلمة لا تصف شيئًا مما عشته وشعرت به معك.
أنا السيئة، التى كان عطرها يسبق خطاها، نسيت؟! ألم تكن هذي هى جملتك أيضًا، من يمدحها الكل ولا يسخر منها سواك.
كل الذين في حياتي حتى الذين قابلتهم صدفة جميعهم أحبوني، بشكل ما أو بآخر كنت فتاة جميلة ومهذبة في حياتهم، أنت الوحيد الذى اتهمني بالسوء، لا أصدق أن كل هؤلاء كانوا ينافقونني في محبتهم لي وأنت الصادق الوحيد في كرهه.
الكل يشجعني على الكتابة وأنت الوحيد الذى كان يقول لي "لسه شويه"
ثم بدأت تحدثني عن همومك، يومك الممل الذى يمضي ببطء، تتصل بي وتجعلني أتكلم مع والدتك مرة وتنكر معرفتك لي حين يرد عليك أحد من أهلي! رغم أنك تعرف أنني لا أخبئ عنهم شيء وأنني حدثتهم عنك، تطلب مني أن أسأل عنك من وقت لآخر كما لو أن طفل هو الذى يطلب شيئًا، ثم تتحدث عن النساء سواء تعرفهم أو مجرد فنانات وتفخر بنفسك لو أن امرأة قالت لك كلمة حلوة، تراسلني لتحكي لي عنها، حتى قلت لي أفكر في إحداهن لكني لن أقول شيئًا، سألتك ماذا إن أحبها آخر، قلت لي فقط سأتمنى لها الخير، الخير الذى تجعل الكل في النهاية لا يتمناه إلا لك أنت وأنت تستحق شيء آخر، كان واضح جدًا أنك تستدرجني وتدفعني نحوك وتسعى بكل جهدك لذلك وأنك تنتظر فقط أن أعترف لك.
تعبت، تعبت حتى وأنا أحكي كل ذلك الآن وأنا أتذكر تلك الليلة التى كتبت لك فيها "أحبك" وأنت تضحك وتضحك ساخرًا، فقدت وعيي وحين أفقت كنت قد عرفت أن اللعبة والتى من المفترض أن تكون انتهت، بدأت للتو.
في الصباح بنفس الأسلوب الساخر قلت لي أنا رجل إن أحببت امرأة سأطلب يدها من أبيها، ما بيننا حديث عقول فقط هنالك ما هو أكثر، ثم أكملت جملتك ولكني لازلت أريد رؤيتكِ.
شعرت بإهانة لم أشعر بها من قبل ولكنك لم تكذب، النساء قوام فقط بالنسبة لك.
جعلتني أشعر أنني أكثر من مجرد ضحية، نكرة، لا شيء وكان الرفض هو النزيف الذى جعلني أتمنى أن أكون أية امرأة في حياتك ولو حتى من تؤجرها لتنظف لك بيتك ولو حتى امرأة رخيصة تفض معها شهوتك، جعلتني أكتشف إلى أي مدى كنت جميلة وأن أحدًا قبلك لم يستطع فعل ما فعلته معي وأنني لمجرد أنني لا ألتفت لأي رجل أردت تحطيمي.
تارة تسألني ألن أراكِ في مناقشة رواية فلان وتارة أخرى أتعمد سؤالك أنا عن أي شيء له علاقة بالكتابة لتفتح معي حديث لتقول شيء جديد يقتلني مجددًا لأصدق أن هذا هو أنت ولكني لم أصدق دائمًا سوى حاجتي للهروب الذى لن تعرف مهما وصفت لك كيف تحملته، كيف كنت أبكيك بلهفة ولوعة كما لو أن لا نجاة لي إلا بك.
ثم هربت، اختفيت تمامًا.
هربت من عالم لم يكن يشبهني ولا أذكر أنه يومًا مس روحي، لم أعد أقرأ لك، لم أعد أراسلك ولا أسمح لك بذلك، سددت كل منافذ الوصل بيننا وتذكرت أنني كنت أهرب حتى قبل أن أعترف لك، أهرب بغتة من أحاديثك الجريئة، من نفاقك حين تتحدث بينك وبين الشخص وظهورك بين الناس كآخر غيرك تمامًا، لم أستطع الاندماج لا معك ولا غيرك فقط أهملت حياتي ومرت سنة وسنة وسنة وأنا بعيدة لا أراقبك حتى لكنك كنت دائمًا هنا.
لم تكن مجرد سنوات أهدرتها في اللا شيء بل سنوات من عمري أبدًا لن تعود كما لن تعود تلك الطفلة مجددًا.
ويبقى في حياة المرأة رجل واحد فقط لا يمكن تجاوزه أبدًا وكأن العمر لا يعرف إلا أن يمضي إليه.
لم أستطع نسيانك، لم تمسني، لم تأخذ مني شيئًا رغمًا عني فقط مشاعري والتى كانت لا شيء في البداية لكنه أسلوبك.
حتى وأنا أراك في المنام جالس وبجوارك امرأة أخرى، كان زفافك، لم تكن الرؤية واضحة لكنها لم تكن أنا.
ومرت الأيام والتى بالكاد شغلتني شيئًا فشيئًا.
وبغتة لم أكن أفكر بك ولكني رأيتها في المنام تشكو لي منك، لم أستطع فهم شعورها لحظتها هل كانت سعيدة برؤيتي كسعادتي بها حقًا أم كانت حزينة؟! كانت مضطربة، بسيطة وهادئة، مشيت معها، تحدثنا كثيرًا، مررنا على محل لعب أطفال، اشترت هى لعبة ولا أعرف لمن، فقط تركتها معي وبغتة أفلتت يدي وجرت بعيدًا، عبرت طريق طويل وحدها ثم اختفت، لم أركض وراءها، ولا أعرف لمَ كنت سعيدة، لكنها السعادة التى لا تدوم، السعادة التى آلفتها معك، ففي الصباح سمعت عن خبر انفصالكما وأنك مغرم بأخرى وبالتأكيد هذي الأخرى ليست أنا.
كل مرة كنت أظن فيها أنني أخيرًا نسيتك تعود لتغيظني بوجودك في المنام مجددًا.
وذبلت الوردة التى لا تذبل أبدًا، ذبلت شرودًا، حيرة وفكرًا، حتى شدت يدي مرة امرأة عجوز لا أعرفها وقالت لي "الشقا يا بنتي ميتجريش عليه" لم تكن تعرف ولا حتى أنا أنني وبالرغم من كل شيء بالفعل أحببتك.
إرسال تعليق
0 تعليقات