سماء مثقوبة..🖤 بقلم 🖤 مفيدة السياري


 //سماء مثقوبة//

"لم تكن مطرا" وسط قهقهة  كالوهاد  تعلو حينا وتنخفض حينا ،كأنها أرانب تلاعب زند الصياد طالت رقصة المجنون تحت سهام من سماء مثقوبة. هكذا تخيّلها وهو يرفرف مكسور الجناح كصقر استأسد في أجمته ورماح الصيادين تصلصل حوله.

"لم تكن مطرا" ومجنوننا يهذي كمن تلبّسته الحمّى يدور حوله  ويداه مرفوعتان إلى السماء ولغوه ينفرج مرّة فنفهمه ،وينغلق مرّة كنبت الحلفاء تعنّت  واستحال نزعه من أرضه الظمآنة كي لانرى أخاديد العطش وقد فتكت بجوفها لا خوفا من يد جامعها وقد استمات ليقتلعها.. أو كأنه... تعويذة ساحر قاب الظفر بانفلاق الصخر ليدخل منه إلى عالم أسطوري في تعرجات الصخرة الكهف. يناديه نور يغوي. يرمي كف البخور والدف تعلو نقراته، والتمتمة لا تنقطع فأذا هو تحت جذع نخلة والنبع ينسكب زلالا ،يقترب الساحر ويخلع أردية ويلقيها فإذا هي كلاب تعوي كأن مسّها الأذى وتلوذ بركن قصيّ. تشيح نظرها رهبة وخشية و تلاوين أخرى من رجاء ويأس،. يلتفت إليها الساحر وعيناه مطبقتان فتهدأ ثم يلتفت وهو يتقدّم  بتؤدة والعينان خط عبور مغلق . يمدّ يده اليمنى إلى النبع فإذا بقطرات الماء كالفراشات أغواها نور مشكاة في معبد الناسك،.  تحلّق من كفّه في سرب متناسق صوب فمه المفتوح وتدخل راضية مرضية ، هو ماء الخلود، منيته و مبتغاه . لم يمس أكداس الذهب المنثور حوله كالحصى. ولا الجواهر في صناديق تتلألأ  تخلب الأبصار.. فقد باتت طوع بنانه. ينقلها خدمه إلى بيته قبل رجوعه. والكلاب العاوية أرديته على تصانيف مختلفة الحجم والشكل عن يمينه وشماله و لعابها قد سال واذيالها تتحرّك ترحيبا بسيّدها حارسة له تنبح في الجهات الأربع تجاهد طمعا في مرضاته. 

حان وقت خروجه مدبرا دون أن يفتح عينيه واطبقت الصخرة كأنّ شيئا لم يكن،

طالت رقصة المجنون حتى سقط وسط صياح الحاضرين

وانفضّ الجمع فالعرض انتهى. لكن السماء ثقبها لم يندمل..

والزر  بيد الساحر. و الساحر في رأس المجنون.

تركناه ولذنا بما يحمينا من زخات المطر وصوت خافت مرتبك  من قناة وطنية يصلنا متقطعا، لا نعلم مصدره يعلن عن استشهاد مجموعة من الجنود في إحدى الجبال. العدد في ارتفاع وسيل المطر يرتفع و عددنا تحت الجدار ينخفض والضحكة تنقطع. والمجنون قد اختفى... وفصول الحكاية  مازالت في بدايتها....

(مفيدة السياري ،تونس)

إرسال تعليق

0 تعليقات