رسائل إلى غوستاف"2 🖤 بقلم 🖤 إيناس حايك💛


 #رسائل إلى غوستاف"2"💛

رسامي

رسالةٌ ثانية والسّلامُ هذهِ المرّة مزركشٌ بعرائشِ البوحِ والقهرِ والاعتراف وبعد...

إنّ هذا الوقتَ مأساويٌّ يا غاس لقد تسرّب اليأسُ إلى روحي وأنهكها محدثاً جلبةً داخليةً وجوقةَ رعدٍ وبرقٍ وصُراخ إنّي اليوم أغرق في لامبالاتي الأكثرُ عِمقا من كلُّ شيء احتضر مراتٍ عديدة وأعود فتعودُ أصواتُ المولداتِ الكهربائيّة تنهشُ عظمي تحيطُ بصيواني وتقتاتُ دهليزَ سمعي وتقضمهُ كما يفعلُ دودُ القزِّ بشجرِ التّوت 

في الرسالةِ السابقة سألتَني عن طفولتي وترعرعي وأيّ كنفٍ هو الّذي يتأبّطني 

حسناً سأحاولُ أنْ أشرحَ لكَ الأمرَ يا غاس بالرغمِ مِن غربيّتك وشرقيّتي وآملُ أنْ تفهمَ.... 

منذُ طفولتي هناكَ شيءٌ تربّى معي وركضَ معي في الحارات شيئاً فشيئاً صارَ منِّي إنِّه رغبتي الجّامحة في سحقِ تلكَ الظّروف الّتي استقبلتني بحبلٍ سريٍّ مبتورٍ وباهِت اسمهُ "إيناس"  في البصقِ في وجهِ هذا الوضعِ الوضيع الّذي يحولُ بيني وبين أن أعيشَ شباباً كنتُ أتوقّع أن أعيشهُ رغبةٌ تقمّصتني أخيراً في هذا السّن الهرمِ والجلدِ الرًقيقِ المعذّب

 خرجتُ من المنزلِ وأدركتُ أنّني أكبرُ بسرعةٍ يا غاس لكنّني عبثاً أشيب لا تنظر إلى بطاقتي الشّخصية لا! ..شتّان ما بين عمري الدّاخلي وعمري الزّمني فإنّني لَم أبلغ بعد السّادسة عشرَ يا عزيزي ولا تأبه أبداً لمقلتاي الّلماعتان فربّما تكونُ دموعاً متجمّدة من يُتمٍ مُبكّر بينما أنت تظنّها برّاقة!! وأنا اليوم عندما رأيت تلك الطّفلة الّتي تحملُ طفلةً أشدُّ بؤساً تتوسّل لاثنان من أصحاب البطونِ المتخومة وقد قابلاها بعنفٍ يكفرُ بالطفولة في مشهدٍ ينتهكُ قُدسيّتها وإنّي دونَ أن أتردّدَ لوهلة ذهبتُ وقبّلتها(قبلةً.. اثنتان فثلاثة) لم أُبالي لكونها غير نظيفة وأُقسم لك بما تؤمن أنها نظيفة أكثر منهم بالرّغم من ثيابهم الجّديدة لم أبالي لاصفرارها وشحوبها وثيابها الرّثة وكأنّها آتيةٌ من عصر مغاير وفكّرت بينما أبحث في حقيبتي عن شيءٍ أعطيها إياه 

ماذا يا ترى طلبت منهم رغيف خبزٍ ؟

ورقةً نقدية ؟

علبة دواء؟

وأقولُ لك يا غاس إنّي عندما لاحظت عظامها البارزة وعيناها المكوّرتان الّلتان تقصان علينا حكاية قذرة ..لقد كبرتُ كثيراً والطّوابير(ساحاتُ المعارك ) الّتي تضجُّ بالشتائم والمدافعات تفعل ذلك معي أيضا  

دعني أشرح لك معنى "طوابير" غوغل لن يستطيع أن يترجمها لك بالمعنى المحلّي الحقيقي  فغوغل ليس دائما على حق في بلدي : هي ظاهرة متفشيّة هنا وعليك أن تكون نمراً في حلباتها وتتخلّى قليلاً عن قيمك وتجعل فضائلك تتنحى جانبا فالبطل هو من يصل لطاقة بيع الخبز اولاً ويكون جديراً بالّلقب إذا خرج بخبزهِ سالماً 

أمّا في طوابير الوقود فالأفضل لك أن تمارس اليوغا وفي المنزل لا تنتهي المجابهات فأنت في معركة مع الوقت فعليك أن تشحن وتطهو وتستنير في نصف ساعة والفقر يا غاس أوااه كم يضيف لرصيدي سنوناً

فالطّفل في بلدي ليس طفلاً هُنا  أصبحنا نولد كباراً

وبالرّغم من كل الظّروف السّوداوية وكل ذلك التناقض بين عمرنا وما عشناه بين حقوقنا المسلوبة وطفولتنا التي شاخت بين كل ما قالوه وكل ما تعلمناه 

وبالرّغم من ذلك السّواد الذي يحاصر مقلتاي وكل ما نقاسيه وكل ما قاسيناه و شمعتي الّتي تنازع ورغم بخل الضّوء وقلّة الحيلة فإنّ حبري لا يزال يسيل ونحن لا نزال نبدع ونعي كيف يكون الفن وكيف الأمل وكيف المعجزة بالرغم من أننا في زمن اللامعجزات... وأنا ياغاس يا فوضوي الشّعر أعي قيصركم وأعي ربيعهم العربي وأدرك هول الندبات الّتي تركتها أظافر الحرب لما حاولت خنقي وأنا غارقة في حجرشتي وبالرّغم من جروحي الّتي لم تلتأم فإن استمراري نصر أفخر به بالرغم من تعاستي وتقلبات مزاجي 

مع حبي 

لاس فيغاس /إيليوس/المنزل 17

29/8/2021  

إيناس حايك💛

إرسال تعليق

0 تعليقات