أنا أتمنى 💜 بقلم 💜 ايمان خلف السكارنة/الاردن
"أنا أتمنّى"
وهج مؤلم يخرج من طفلة تمسك ذراع أبيها بشدّة، تبكي على فراق أحدهم..
شلّال يملأ خدّيها الورديّين، تصرخ ألمًا: أمّي أمّي، أباها يفرد كفّيه في أعالي السّماء ويشكو، لا يريد لطفلته أن ترى دموعه، يحبس تلك الأمطار في حجرة لا تستطيع حملها طويلًا، وستخرج لا محالة، حياة تطرد روحًا من داخلها، تركلها إلى عالم الأموات، تطرق أبواب منزلها الجديد، وهنا؛ ستبدأ رحلة الحساب، تفتح الباب برفق ورويّة؛ لترى مقعدًا يحوي مأواها الجديد،
إلى أين؟
لا أحد يعلم..
طفلتها تحتفظ بخصلة شعر عالقة على مشطها، تزرعها في حديقة منزلهم معتقدة أنّها؛ ستنمو من جديد.
وبابتسامة بريئة: أبي، زرعت أمّي، ستنبت قريبًا..
لا يعلم ماذا يفعل!
يكبت حزنه القهّار في قفص ذي ثقوب كثيرة، تفيض على وجنتيه، كيف يخبرها؟!
وبكذبة بيضاء: حبيبتي، ستنبت فيما بعد، لربّما تحتاج إلى أعوام.. لذا لا ترهقي نفسك في انتظار عودتها.
وفي صباح اليوم التّالي تنظر من النّافذة المطلّة للحديقة،
انبتي أمّي، أنا في انتظارك..
مرّت أعوام وأعوام على ذكرى رحيلها، وما زالت تنتظر؛ فقد كانت تدسّ حزنها في تلك الحجرة الصّغيرة ألا وهو صدرها، وإنّ كلّ ما وأدته في صدرها أصبح قنبلة زمنيّة؛ ستنفجر لا محالة، إلّا أنّها لا تعرف موعد انفجارها.
أصبحتْ في سنّ الخامسة عشر من عمرها وتدرك الأمر جيّدًا، ومع ذلك تسقيها كما لو أنّها زهرة طال نموّها كثيرًا..
-صباح الخير أمّي، كيف حالك؟
ما زالت تشكو، وتخبر ما حدث لتلك الخصلة المدمولة، وكأنّها ألقت بصندوق في حفرة؛ لتملأه بأسرارها كلّ يوم..
بعد بلوغ طفلتنا سنّ الثّامنة عشر كانت قد أنهت المرحلة الدّراسيّة؛ لتنتقل إلى عالم مكتوب على أوراقه التقاء جنسين، يعني في ذلك؛ ستدرس في قاعة مختلطة بالفتيات والفتيان وجسدها يركد خجلًا، ماذا تفعل؟
تجلس بجانب زهرتها وتشكو: ليتك تكونين هنا أمّي، فقط ليتك..
وعلى السّرير وفي أحد الليالي العاصفة والبرق يضرب النّافذة كأنّه يطلب نجدتها مسكت
فتاتنا كتابًا عن رواية لبئر يحقّق الأماني، أيعقل هذا؟!
تبدّلت أحوال النّاس كافّة، رجل فقير أصبح غنيًّا، والآخر مريض وتعافى، والآخر كذا وتمنّى كذا.. وهكذا مسكت فتاتنا قلبها الصغير وضغطت عليه بشدّة وباتت تغفو. وفي صباح اليوم السّادس من ديسمبر.. شمس تمدّ خيوطها على سقوف الحيّ، تمشي متبسمة، تحمل رغيفًا من الخبز الطّازج، تمضغ طعامها ببطء شديد؛ لتتعرّف أكثر على الطّعم الشّهيّ،
رأت صديقتنا بئرًا قديمة وفي يدها رواية لبئر يحقّق الأماني، أسقطت ما تحمل، ركضت نحوه، وأخرجت قطعة "أنا أتمنّى"..
إرسال تعليق
0 تعليقات