مقهى صغير ❤️ بقلم ❤️ مروان الزبيدي
الصوت قادم من مقهى صغير وسط الشارع المؤدي إلى ساحة زبيدة .... لم أبذل الا جهداً قليلاً كي اميز صوت نجاة الصغيرة وهي تغني أغنية ليلة من الليالي، وهي تقول : زي ما حنا ... رحتو وجيتو.... فاكرين نسيتو... حتلقونا زي محنا ....
وبينما هي تغني.. تبدد تعبي.. وبدأت أشعر بهواء كرستالي يملأ رئتي، يأخذني إلى خواطر عابرة وأمزجة متلونة ...
شربت اخر قطرة من قدح الشاي الساخن، ومع انتهاء الاغنية، غادرت المقهى ، والاسئلة تغلي في رأسي عن عالم الألحان والسلم الموسيقي والنوتة ،كيف أصبحت لغة موحدة لجميع الشعوب ، ثم كيف يمكن أن تترتب النغمات ابتداءاً من الدو ...وانتهاء بالسي .. كيف لكل هذا التوزيع ..ولكل هذه المسافات بين نغمة وأخرى ، كيف يكون لها القدرة على ان تكون لحنا خالدا للأبد. وكيف لاآذاننا أن تميزه من بين كل هذه النشازات ....؟؟!!
تجمهرت الافكار في راسي، حينها جاء طائر الوعي، ليحلق بي بعيداً..بعيدا .. إلى الشهداء الذين سقطوا في ساحات التظاهر ،عند ذلك بدأت بخلق علاقة افتراضية بين قضية( الشهادة) وصناعة (الالحان)..!! .
هذا الهاجس أدخلني في غفوة جميلة، رغم أصوات الباعة ومنبهات السيارات ، هذا الهاجس جعلني اكتشف بأن شهداء تشرين لحن كامل ... لحن خلق بعفوية ، كل شهيد نغمة تختلف عن الأخر ... صفاء السراي، نغمة .. ..حمزة من الناصرية ، الذي خدم تسعة أشهر في الحشد ، ليستشهد أثناء التظاهرة ، كان نغمة ...وعمر ذو الابتسامة الطفولية، نغمة... والمصور احمد مهنا ،نغمة... ثائر ذلك الفتى الوسيم والطيب ، كان نغمة ... كل هؤلاء لم يصلوا من سلم الموسيقى للحياة بنغمات خطأ.. ولم يصلوا للشهادة بنوتة غيرة مفهومة ، كلهم كانوا ألحان خالدة...
لا شيء يأتي من الفراغ ...البطولة مجموعة من الصفات والاستعدادات المسبقة والمعاناة، تتراكم ثم تعلن عن نفسها .
كل انسان حياته لحن معين ،محكوم بالأذن التي تسمعه .. لا تستغرب عندما لا يفهم البعض لحن هؤلاء الشهداء.. لانهم لا يمتلكون الأذن التي تتحسس ازلية اللحن وخلوده عندما يتناغم مع الإنسانية .
فرق كبير بين من تمر عليه الأصوات الجميلة ولا يتأمل جمالها... وبين من يتفاعل معها ويعيش مع وجدانها..حينما يسير في الشارع المؤدي إلى ساحة زبيدة، ويستمع للمطربة نجاة وهي تقول : ماكنتوا زمان جنبنا ... قاعدين ليالي مستنينكم ... والدنيا صعبة بالبعد عنكم ..وتعبنا احنا .. وزي ماحنا .
#مروان
إرسال تعليق
0 تعليقات