ما بعد الحرب 💜 بقلم 💜هديل الحاج سعيد /ليبيا
الآن في هذا الوقت من ليلتي التي تشبه كل ليلة _ اللهم إلا قليلا _أجلس إلى نفسي ، أغمض عيني وأشغل ذاكرتي وأكبس فوق زر الإرجاع قليلا إلى الوراء إلى اللحظة التي أعلنوا فيها أن الحرب قد انتهت ، أو التي زعموا أنها قد انتهت !
أسترجع الأحداث الكثيفة التي مرت بنا في هذا الزمن القصير جدا في ساعاته ، والطويل جدا جدا في آلامه وطعناته .. وأتوقف عند اللحظة التي تلقفنا فيها الخبر .. خبر عودة الوطن إلينا ... نعم ، لقد عاد الوطن ، ولقد عدنا نحن أيضا ولكن ليس سالما ، ولا منتصرين كما أردنا وتمنينا وحلمنا ... عاد خربا مطعونا نازفا متهدج الأطراف حزينا كسيفا مصدوما ومخذولا ، وعدنا خجلين منكسفين ومصدومين أيضا ، ودمعنا يشق الطريق خلفنا ليجري نهرا من الألم يقف عنده كل ملتاع ...
هو عاد ولكنه لم يعد إلينا إنما ليثبت أنه ما زال يقاوم ، ونحن عدنا لا لنفرح بالنصر بل لنكون شاهدين على الجريمة البشعة التي أعلنتها هذه الحرب القذرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى القذارة ، ولنكون شاهدين على أثارها المدمرة في كبد الوطن أولا ، وفي غائر النفس ثانيا ...
نعم ، أقول أننا نزعم أنها انتهت ، ولكنها الآن قد بدأت تعمل عملها في نفوسنا !! إننا الآن نقف مائلين ، لا نعرف أيا منا يستند على الآخر نحن أم الوطن ؟ ، لا ندري من يطبطب على الآخر ، ومن يداوي جرح الآخر .. نحن أم الوطن ؟؟ .... نحن نتخبط الآن حقيقة ، و نشعر أننا من دون إرادة و لا نستطيع عمل أي شيء غير أننا نتفرج لا أكثر ، ولسان حالنا : اللهم معجزة من عندك تغير مجرى الأحداث ..
الآن ووسط هذا الهدوء الساكن والمخيف أيضا ، أتأمل تلك الأيام .. أيام الحرب وهي عنا ليست ببعيدة كيف كان الأمل لا يفارقني قيد أنملة ، أتأمل كيف كنت أتخيل اللحظة التي سنعود فيها إلى بيتنا لنحتفل بعودتنا ونشارك الوطن انتصاره وأفراحه ، أتأمل تلك اللحظات وفي داخلي شيء من الحنين إليها ، لعلي كنت فيها أنتظر أن يحتظنني الوطن بروح غير هذي الروح ...
ربما من الخطأ أن أقول هذا ولكنني حقيقة أشعر أن الصدمة لتوها تباغتني بينما أنا في غفلة عنها أداعب أحلامي / أوهامي بالمستقبل الذي تراءى لي ، والذي وعدت به نفسي ... وكانت هذه الصدمة جريرة هذا الوعد .
الآن سأقول أن هذه الحرب الكارثية قد شوهت الكثير والكثير من معاني الحياة في نفوسنا ، ولكنني لا أستطيع أن أنفي معالم الجمال التي ما زالت _ رغم كل هذا الألم _ تتراءى لي / لنا في الحياة ، فثمت الكثير من الأشياء الجميلة هاهنا لا أستطيع إنكارها ، كما لا يمكنني أن أتجاهل حبي الكبير للوطن ولطموحي وأحلامي أن ينهضوا أن يعودوا لي / لنا ، لا يمكنني أن أتجاهل صوت قلبي وهو يهتف بالأمل والحب عند شروق كل شمس ومغربها ، ولا زالت بروق الأمل تراودني بين كل نبضة وأختها ، لا لأني أراهن على شيء ، بل هي مجرد أمنية أن لا تكون النهاية قاسية إلى هذا الحد ، وأن يسمع الله صوت قلبي / قلوبنا ، وصوت في داخلي يلح علي وبشدة لعله صوت الإيمان بأن الله قاهر المستحيل .
ما بعد الحرب .
هديل الحاج سعيد .
ليبيا .
إرسال تعليق
0 تعليقات