دواء خاطئ 💜 بقلم 💜 مروة رزق عيسوي/مصر


 دواء خاطئ 

كان آخر يوم له بالقاهرة، ولم يتبقى له سوى ساعات ومسافات تفصله عن المكان الذي ولد وعاش عمرًا فيه، ولم يُمحَ أبدًا من ذاكرته طوال السبع سنوات التي أقام بالقاهرة فيهم.

محطة القطار، جهاز إنذار المشاة، شباك تذاكر مُزدحمٌ كعادته، عجوز تتكئ على يد ابنتها، أحدهم يهرول لِيلحق بالقطار، وأخرى تلعن اليوم الذي أتى بها إلى هنا، وآخرون ينتظرون القطار القادم في تأفف، باعة متجولون في ساحة المحطة، ورجلين من رجال الشرطة..

فمجرد أن تعبر إنذار المشاة تدخل عالم القطار الذي يفصلك عن العالم الخارجي كأنك غرقت في بحر والتقطتك دوامة، فالعالم البحر والقطار الدوامة.. عبرَ إنذار المشاة ولم يلبث دقيقة حتى التقطته عين الشحاذين.

- جنيه يابيه، جنيه يا باشا، أجيب لقمة يابيه.. جعانة والنبي تديني... وتبدأ في البكاء حتى تجعلك تُخرج ما في جيبك وأنت في غاية السعادة.. يا لها من محتالة !

أخرج من جعبته جنيهان وأعطاهما لها ففرحت وكأنها أسد استطاع أن يصطاد فريسته بحرافيه، وقف على شباك التذاكر قليلا وقطع تذكرة وذهب للقطار وجلس في مقعده المفضل.. كرسي مبطن بجوار نافذة مفتوحة.

- توووووووووووت

تحرك القطار وتحرك معه قلبه وكأن قلبه هو من يسرع ويهرول ليصل وليس القطار ورجعت به ذاكرته ثمان سنوات إلى الوراء...

كانت والدته تتعرق بشدة وتلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة وكأنها تصعد الدرج في سرعة القطار وتتأرجح يمينًا ويسارًا حتى وقعت مغشيًا عليها فهرول خائفًا عليها وهو يلهث ويصرخ

- أمي.. أمي ما بكِ؟

وبدأ يضربها ضربًا خفيفًا ولم يجدى ذلك نفعا.. فحملها على ذارعيه مسرعا إلى المستشفى، هناك قابل الدكتور حامد وأخبره..

- دكتور حامد.. أمي.. لا أعرف ما بها وقعت فجأة مغشيًا عليها

- اهدأ اهدأ.. صبري الآن نعرف ما بها

نادى دكتور حامد على بعض الممرضين وأمرهم بحجز غرفة في المستشفى لأمي وأجروا لها التحاليل اللازمة.. وبعد أن اطلع دكتور حامد على التحاليل قال: ليس بها شيء صبري ولكنها مجهدة من أعمال المنزل الشّاقة.. وأعطاه بعض الأدوية التي تُحسن من حالتها.

ثم رحلوا إلى المنزل وبدأ في متابعة حالتها الصحية والانتظام في مواعيد دوائها وتحمل معها أعمال المنزل حتى تُشفىٰ لكن حدث ما لم يتوقعه صبري..

بعد أن انتهى من أعمال المنزل وطهو الطعام، دخل غرفة والدته ليعطيها الدواء..

- أمي استيقظي، الطعام أصبح جاهزا، أفضل طعام تحبينه، ولكِ أن تتخيلي أن صبري بنفسه هو من أعده لكي _ياست الكل_ لكنها لم تجب عليه ورأى صبري أن وجهها يميل إلى اللون الأزرق فجلس بجانبها ومد يده ببطئ شديد ورجفة ليتحسسها فوجد جسدها كالثلج وكأن فصل الشتاء حل في جسدها، فامتلأت عيناه بالدموع، وأمطرت على وجنتيه وحملها مسرعا إلى المستشفى.

- تذاكر، تذاكر، تذاكر.. التذكرة يا باشا

انتبه إلى الكُمسري وتنهد قائلاً: تفضل.

قطع الكمسري التذكرة وأعادها إليه مرة ثانية وأخذته ذاكرته وعادت به مرة أخرى حيث كان واقفًا.

- ماذا حدث لأمي؟، لقد واظبت على مواعيد دوائها ؟ كيف ذلك؟

- قدرها يا صبري.. يجب أن تؤمن به

صرخ صبري في دكتور حامد قائلًا: لا ليس قدرًا هناك خطأ يجب أن أعرفه

نظر إليه دكتور حامد نظرة حادة وقال: إذا أردت أن تعرف السبب يجب أن نُشرح الجثة

- نعم، وأنا أريد هذا.

وبالفعل تم تشريح الجثة واتضح السبب،

فقال دكتور حامد ومشاعره مختلطة عليه لا يستطيع تحديدها أهو خائف من صبري وما سيفعله به بعد أن علم السبب أم يلوم نفسه على ما فعله، أم يلوم أبواه على ما فعلاه به وجعلاه يستهتر ويجهل كل ما درسه لإرغامه على دخول كلية لا يريدها.

- صبري والدتك كانت مريضة بالقلب والأدوية التي أمرتها بها..

صرخ صبري وأمسك بعنقه قائلاً : تعني أنك قتلتها يا جاهل.. طبيب فاشل سأقتلك وأرحم البشرية من جهلك

التف الأطباء والممرضين حوله وأخرجا دكتور حامد من يد صبري بأعجوبة.

بعدها بأيام عديدة سمع صبري أن دكتور حامد قدّم استقالته، ورحل صبري للقاهرة وأقسم أن لا يعود إلا ومعه ماجستير في أمراض القلب.

توووووووووووت

المحطة الأخيرة ياسااادة


إرسال تعليق

0 تعليقات